هل صحيح ان العالم العربي ذو عقلية متحجرة و غير متفهمة بخصوص معضلة المثلية؟
ذاك السؤال طرحته على نفسي ايام بث حلقة برنامج (ضد التيار) المخصصة للمثلية..ذاك الكم الهائل من الايجابات السلبية حول امكانية تقبل الاخر للانسان المثلي و ليس الحديث عن إقامة علاقة مع المثلي..جعلني اتسائل هل حقا ذاك الاحساس باستحالة التواصل مع السوي حقا امر واقعي ام هو محض خيال و افتراءات او لنقل مجرد استنتاجات نبعت من خلال رصد غير موضوعي..
ما هو اصل الداء في تلك النزعة السادية في كيل الاتهامات للمثليين؟
لو حاولنا ان نعيد ترتيب البيت المثلي و محاولة قراءة اسس الممانعة السوية لشخص المثلي فيمكننا ان نقول و نؤكد بدون اي تجني ان الوازع الديني هو الاساس في تقبل او من عدمه للانسان المثلي...من موقعي لست من المؤهلين للحديث بإسراف عن الدين... فانا لست لا بعالم دين و لا بمختص في الشؤون الاسلامية..لا انكر انني حاولت من خلال بعض المواد الدينية التي درستها التعمق في مشكلتي..
فالملاحظ ان المجتمعات العربية ماتزال متعلقة بالدين بشكل قوي و هو ما يتجلى من خلال قوة الجماعات الدينية في الواقع السياسي باستثناء قلة قليلة من البلدان التي استطاعت تقليم نفوذها و هي بالمناسبة تعد على الاصابع...فالحياة في العالم العربي ما تزال ترنح تحت تاثيرات لوبيات إسلامية ففي بعض البلدان الخليجية تقرع طبول و ابواق الاستنفارات من اجل الذوذ عن حرمة الدين الاسلامي اذا شمت هاته اللوبيات بقدوم شاكلات (هيفاء و هبي) على إحياء الحفلات (البحرين و الكويت) فمابالك عن الممارسة المثلية...
لكن السؤال الذي يطرح نفسه...ماذا عن المستوى الثقافي؟ هل يمكن ان يكون في صالح رأب الاختلاف والتقريب بين السوي والمثلي؟ بمعني اخر هل ان الانسان العلماني او الملحد يختلف عن الانسان المتدين في نظرته للمثلي ام لا؟
في اعتقادي الشخصي الإجابة تكاد تكون ايجابية..فالعديد منهم كانوا دعامة لنا و حاولوا بمعية ثلة مننا ان يحركوا موضوع المثلية..لكن المحاولات تظل محتشمة لاسباب عدة...
اتذكر قبل يومين كنت بصدد كتابة بوست عن الجزء الثاني لحلقة (ضد التيار)...و فجأة دخلت عليَ إحدى قريباتي و كانت شويه حشرية...سألتني عن ماذا أكتب بالعربية... صراحة ما قدرت اكذب و اخبرتها بالحقيقة..استحيت شوية ان اقول لها انني اكتب عن المثلية لسبب بسيط ان الكلمة مش معروفة في تونس ..فالمرادف لها هي كلمه (اوموسكسويال) و لذلك ارتأيت ان استعمل كلمة "الجنس الثالث"..و بالرغم من اقتناعي باستحالة ان تفهم المعنى الذي اردت ان أوصيله لها..إلا انها فاجأتني بالكم الهائل من المعلومات التي تملكها...لا تقولوا لي إنها مثلية.. بل على العكس هي مغايرة و حنونة و جد متفهمة للناس و لمشاكلهم...المهم حكيت لها شوية عن الحلقة وسالتها عن رايها في أنواع المثلية..بيني و بينكم اعجبت بثقافتها و مستواها العلمي ..هي على فكره استاذة عربية..اول مرة احس انني بصدد الحوار مع شخص سوي يستحق ان يقال عنه انسان باتم معنى الكلمة ...موضوعية في احكامها... من جهتها اعتبرت المثلية مكتسبة و فطرية في نفس الوقت..واظافت انها تعرفت على العديد من المثليين ايام دراستها الجامعية...
الحالة الاولى التي تكلمت عنها تمثلت في بنت كانت تتصرف مثل الرجال في كلامها... مِشيتها... توحي لأين كان بأنها ذكر كامل الرجولة...و السبب يعود بالاساس إلى والدها الذي مافتئ يناديها منذ الصغرباسم ولد..وتضيف انه كثيرا ما كانت الام تدخل في خصام و عراك مع الاب..لانه حسب راي الام كان وراء تشويه فطرة ابنته التي اصبحت فيما بعد تتصرف شَبَه ولد.
الحالة الثانية تخص احد حلاقين النساء الذي كان على شاكلة (روني) من لباس انثوي واستعمال للماكياج..اقل وصف لحالته تترجمه كلمة مسكين... كان دائما يعاني في صمت..كثيرا ما يبكي حاله..حاول جاهدا التخلص من تلك العادة إلا أنه فشل في التحرر من ذلك السجن...
ان الحياة صراع مستديم بين واقع مُر من جهة شكل قيد على رقبة كل مثلي رَنا يوما ان يعيش في عالم حر بحيث تكون ممارسته العاطفية في متناوله وبعيدة عن كل اشكال المحرمات الدينية والدنيوية.. و من جهة اخرى بين حلم وردي صعب المنال و التحقق خصوصا في هذه المرحلة..
ليس من الصعب علينا الاقرار بوجود مناصرين لنا من الاسوياء تحس بمآسي المثليين اللذين أبدوا دوما استعدادا للتضحية بحياة البؤس من اجل بارقة آمل في دنيا جديدة اساسها الاحترام..فالعالم مليان بالناس الطيبين و المتفهمين لمعاناة الانسان المثلي..المهم علينا ان نحدد ماهيتهم و كيفية استغلال تلك المعاضدة في تبليغ صوتنا وافكارنا..المشوار مازال بعيدا لكن طريق الالف ميل يبدأ أكيد بخطوة ..خطوة فقط...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ